Follow Us On

ميزات التّصميم للحدائق المدرّجة
على جبل الكرمل

لقاء مع المهندس فريبرز صهبا

بدأت خطّة تحويل منحدر جبل الكرمل إلى حديقة مزهرة لتطويق مرقد حضرة الباب في الخمسينيّات من القرن الماضي، والمرقد لا زال في طور البناء. تمّ بناء المصاطب التّسع الأولى وتغطيتها بالنّباتات، بينما ظلّت المصاطب الباقية بانتظار الوقت المناسب؛ على مر السّنين استكمل ابتياع الأراضي من رأس الجبل إلى أسفله.

في عام 1987 قرّرت الهيئة العليا للجامعة البهائيّة أنّ الوقت قد حان لاستكمال الحدائق. ووقع الاختيار على المهندس المعماريّ فريبرز صهبا للتّعامل مع المتطلّبات الجماليّة والرّوحيّة السّامية للمشروع، ومع الظّروف الصّعبة للموقع. كان السّيّد صهبا قد أنهى للتّو العمل الّذي استمرّ لمدة عشر سنوات في بناء “معبد اللّوتس” في نيودلهي بالهند، والّذي أطلق عليه على الفور اسم “تاج محلّ هذا العصر” عند اكتماله. فيما يلي موجز للقاء مع السّيّد صهبا نشر في ألبوم المرقد البهائيّ والحدائق على جبل الكرمل، الّذي صدر عن مجلس السّياحة في حيفا.

لقاء مع المهندس فريبرز صهبا

هيئة السياحة في حيفا

ما المصادر التي ألهمتك في تصميم الحدائق؟

كان مصدر إلهامي الرّئيسيّ قصّة الحياة القصيرة والمأساويّة لحضرة الباب. في مكتبي هناك صورة للقلعة الموحشة حيث سجن في زنزانةٍ مظلمة لم تضئها حتّى شمعة واحدة. لقد أرادوا إطفاء نوره الرّوحيّ، لكن هذه الشّمس أشرقت على الجانب الآخر من العالم، في حديقة سماويّة مليئة بالضّوء على جبل الكرمل الجميل، الّذي يحمل اسمًا يليق به هو “كرم الله”.

مصدر آخر للإلهام هو المرقد نفسه، والّذي صمّمه المهندس المعماريّ اللّامع وليام ساذرلاند ماكسويل. إنّه بديع للغاية ومميّز، ويجمع بين الطّرازين الشّرقيّ والغربيّ بطريقةٍ فريدة ومؤثّرة. ولهذا السّبب نسمّي المرقد بـ “ملكة الكرمل”. لقد أصبح رمزًا لحيفا وهو قريب جدًّا من قلوب مواطنيها.

كما ألهمتني أيضًا الحدائق المحيطة بالمرقد والّتي صمّمها حضرة شوقي أفندي. إنّها بسيطة وأنيقة وعصريّة، وتخلق جوًّا روحانيًّا. التّباين بين اللّون الأخضر الدّاكن لأشجار السّرو والأخضر الزّاهي للعشب والسّياج بينهما – هو تمثيل دقيق للّون الأخضر وهو اللّون المفضّل لحضرة الباب الّذي كان دائمًا يرتديه. يفوح في الحدائق عبير أشجار الحمضيّات والسّرو الشّيرازيّة، والأشكال الهندسيّة الرّائعة للحدائق الكشميريّة، وجمال الحدائق الإنجليزيّة. عندما ينظر المرء إليها يملؤه شعور خاصّ حتّى وإن لم يكن يدرك تاريخها ومغزاها الرّوحيّ.

ما المغزى الرّوحيّ للحدائق؟

الحدائق هي في الواقع تكريم لمرقد حضرة الباب والغرض منها هو تمجيد وتعظيم المرقد وتوجيه المرء تجاهه. وهي عبارة عن ثماني عشرة مصطبة، بعدد أوّل أتّباع حضرة الباب، الّذين لقّبهم بـ “حروف الحيّ”. في العربيّة كما في العبريّة، القيمة العدديّة لأحرف كلمة “حيّ” هي ثماني عشرة. أرى في الحدائق رمزًا للجمال والكمال والأمل وهو ما تمنّاه حضرة الباب لجميع سكّان الأرض.

لقد أشرت إلى الضّوء كعنصر خاص في تصميم الحدائق فما هي وظيفته؟

الضّوء هو العنصر المحوريّ في التّصميم. خلال ساعات اللّيل، فإنّ أقواس الضّوء في أعلى وأسفل المرقد تمنح إحساسًا بأنّ موجات الضّوء منبعثة منه وفي النّهار، تنشأ الحركة عن طريق أشعّة الشّمس السّاطعة عبر أشجار السّرو وانعكاسها على العشب اللّامع.

بالإضافة للضّوء، فإنّ للمياه أيضًا دور كبير.

ترافقك المياه في جميع أنحاء الحدائق. إنّها تجذب الطّيور، كما يخلق تناغم المياه وخريرها عازلًا مثاليًّا لضوضاء المدينة، ممّا يمنح الشّخص الصّفاء اللّازم لتحرير نفسه من الرّوتين اليوميّ. ومع ذلك فلقد كان ترشيد المياه عاملاً مهمًّا في التّصميم. أجرينا أبحاثًا مكثّفة للعثور على نباتات تتحمّل الجفاف، واستخدمنا أفضل الخبراء، وأحدث التّقنيات. نظام الرّيّ لدينا اقتصاديّ بشكل كبير، ومياه النّوافير يعاد تدويرها.

هل هناك مغزى من وراء اختيار النّباتات؟

لا شيء في الحدائق من قبيل الصّدفة. لقد قمنا بزراعة حديقة تجريبيّة وراقبناها لسنوات عديدة للعثور على أفضل النّباتات الملائمة للتّربة وزاوية الشّمس واتّجاه الرّياح وقربها من البحر. كان اللّون هو الاعتبار الرّئيسيّ، لأنّ اللّون هو تعبير عن الضّوء. لقد عملنا تجميعات متوافقة لكلّ موسم، على سبيل المثال: موسم بنفسجيّ، عندما تزهر أشجار الجاكاراندا ويفترش اللّبلاب الأرض، وموسم أحمر, وموسم أصفر، وآخر زهريّ.

ماذا تمثّل العناصر الزّخرفيّة المختلفة؟

تستخدم الزّخارف الحجريّة والمعدنيّة لأغراض جماليّة فقط وليس لها أي معنًى دينيّ. هناك الآلاف من القطع في الحدائق والّتي تمّ تصميمها وفقًا للزّخارف الّتي تظهر في المرقد. على سبيل المثال، يحاكي تصميم الدّرابزين نوافذ الزّينة على الدّارة أسفل القبّة. إنّ المفهوم وراء التّصميم هو الانسجام بين الشّرق والغرب، بين القديم والجديد، وبين الحديث والكلاسيكيّ.

يبدو أنّ الحجر هو العنصر المسيطر في تصميم الحدائق.

كنت دقيقًا في اختيار المواد الّتي تنتمي إلى المناطق المحيطة والّتي ترتبط بشكل طبيعيّ بالجبل. استخدمنا الحجر المحلّيّ المستخرج من الجليل فقط. تمّ تنفيذ جزء من العمل في إيطاليا بواسطة معدّات محوسبة غير متوفرة في إسرائيل. يبدو أنّها المرّة الأولى الّتي تمّ فيها تصدير هذا الحجر من إسرائيل إلى إيطاليا.

كيف تعاملت مع المنحدر الحاد؟

قمت ببناء مصاطب مقعّرة من أجل تغطية 225 مترًا من الأسفل إلى الأعلى مراعيًا استخدام الحدّ الأدنى من الهياكل والجدران، وصنعنا تجويفًا في الجبل بدلًا من البناء عليه. هذا المنظر الفريد يخلق مزيجًا رائعًا من البحر والجبل والسّماء. بالنّسبة لي فإنّ مصاطب الثّماني عشرة عبارة عن درجاتٍ في سلّمٍ ترتقي بك إلى لقاء روحيّ مع المقام، وهو بمثابة صعود الرّوح إلى الجنّة بالنّسبة للحجّاج. هذه ليست حدائق تعكس الجمال فقط، بل هي حدائق تحاكي الرّوح.

Skip to content