Follow Us On

الدّين البهائيّ 

  لمحة تاريخيّة

الدّين البهائيّ هو ديانة توحيديّة نشأت في القرن التّاسع عشر وتعتبر نفسها استمرارًا لأديان العالم العظيمة جاءت برسالة جديدة للعصر الحديث.

بفضل الرّؤية العالميّة لمؤسّسي الدّين والقبول واسع النّطاق لتعاليمهما، انتشر الدّين البهائيّ في جميع أنحاء العالم خلال 150 عامًا، ليصبح حركة عالميّة تضمّ عدّة ملايين من المؤمنين يعيشون في كلّ بقعة من بقاع الأرض ويعكس تنوّعها السّكّانيّ.

تشكّل الحدائق البهائيّة في حيفا وعكّا، جنبًا إلى جنب مع المباني المشادة فيها، الذّاكرة التّاريخيّة والقلب المعاصر للجامعة البهائيّة حول العالم.

وهنا تكمن القيمة العالميّة البارزة الّتي اعترفت بها اليونسكو مؤخّرًا في قرارها بإضافة هذه المواقع إلى قائمة التّراث العالميّ الّتي سيتم الحفاظ عليها للأجيال القادمة.

سيوضّح الملخّص التّاريخيّ الموجز أدناه كيف نشأ كلّ هذا، ولماذا تعتبر هذه القصّة في غاية الأهمّيّة.

حضرة الباب

الرّسول المبشّر

ولد السّيّد علي محمد الملقّب بالباب في شيراز بإيران عام 1819. عندما كان طفلًا ظهرت عليه علامات العمق الرّوحانيّ والحكمة الّتي كانت تفوق عمره. في سن الرّابعة والعشرين أعلن حضرة الباب بأنّه رسول من الله إبّان فترة ترقّب وانتظار بعودة السّيّد المسيح في إيران.

 تحدّى حضرته أفكار عصره بمنع العنف والجهاد، والاعتراف بمساواة المرأة، وتشجيع العلم والتّعليم. وأعلن أنّه المبشّر الّذي أتى ليبشّر ويمهّد الطّريق لمجيء رسول آخر الّذي ينبئ بعصر السّلام والعدالة اللّذين وعدت بهما كافّة الأديان.بعد أن وجد ثمانية عشر تلميذًا من تلاميذه الأوائل، بمن فيهم امرأة واحدة، طريقهم إليه بشكلٍ مستقلّ وآمنوا بدعوته، أرسلهم حضرة الباب لنشر تعاليمه.وفي غضون وقتٍ قصيرٍ انجذب إلى رسالته مئات الآلاف من النّاس من جميع مناحي الحياة بما في ذلك بعض الزّعماء الدينيّين المعروفين. وبعد شعورهم بالتّهديد من نجاحه، أعلن رجال الدّين أنّه كافر، وأثاروا موجةً من التّحريض والاضطهاد تمّ خلالها تعذيب وقتل الآلاف من أتباعه.

كان حضرة الباب نفسه سجينًا في قلعتين معزولتين لمدة ثلاث سنوات قبل إعدامه في ساحة عامّة في مدينة تبريز بإيران في 9 تموز 1850، وشهد هذا الحادث ما يقرب من عشرة آلاف شخص، وتمّ نشره في الصّحف الغربيّة.  لقد قام الحرّاس بقطع الحديث الذي كان يعطي فيه حضرته آخر تعليماته لأحد أتباعه، واقتادوه من زنزانته وعلّقوه بالحبال على الحائط الذي يشكلّ أحد أضلاع السّاحة المربّعة. اصطفّ الجنود في ثلاثة صفوف، كلّ منها يضمّ 250 جنديًّا، وأمر كلّ صفّ بإطلاق الرّصاص واحدًا تلو الآخر، وعند انقشاع الدّخان والغبار، اختفى حضرة الباب من أمامهم.

بعد بحث محموم، وجدوه في زنزانته يكمل تعليماته. عندما انتهى من حديثه أعلن للحراس بهدوء أنّ بإمكانهم الآن تنفيذ مهمّتهم. امتنعت الفرقة الأولى من الجنود عن إعادة إطلاق الرّصاص، لذا كان لا بدّ من استدعاء فرقة أخرى.

 في هذه المرّة أصابت الرّصاصات هدفها.

تمّ نقل رفات حضرة الباب إلى خارج المدينة ووضعت تحت حراسة الجنود ليحرموه من تلقّي مراسم دفن لائقة. وعلى الرّغم من ذلك نجح أتباعه في نقل رفاته وإخفائها في مكانٍ تلو الآخر لمدّة خمسين عامًا، حتّى تمكّنوا من المجيء بها إلى الأرض الأقدس ودفنها في البناء الحجريّ البسيط على جبل الكرمل، والّذي تمّ استكمال بنائه لاحقًا وإضافة هيكل علويّ فخم تعلوه قبّة ذهبيّة.

بالنّسبة للبهائيّين فإنّ جمال مرقد حضرة الباب والحدائق المحيطة الّتي يعتنى بها بكلّ محبّة هي بمثابة تعويض عن المعاناة والظّلم اللّذين لحقا بحضرته.

حضرة بهاء الله

الرّسول المؤسّس

ولد ميرزا حسين علي، الّذي اتّخذ فيما بعد لقب بهاء الله في عام 1817 لعائلة نبيلة من إقليم نور في إيران. وبدلاً من السّير على خطى والده الذي كان وزيرًا في البلاط الملكيّ، اختار مساعدة الفقراء والمرضى. عندما أعلن حضرة الباب دعوته أصبح حضرة بهاء الله أحد أتباعه، ثمّ غدا شخصيّة رئيسيّة في الحركة.
أنه شأن كثيرين، حكم عليه بالسّجن وتعرّض للتّعذيب. في كتاباته يروي كيف جاءه الوحي معلنًا عن دعوته الإلهيّة عندما كان سجينًا في زنزانة تحت الأرض في آب / أغسطس عام 1852.

تمّت مصادرة جميع ممتلكات حضرة بهاء الله ونفي وعائلته من موطنهم الأصليّ في عام 1853، ولم يعودوا إليها أبدًا. كانت المرحلة الأولى من النّفي إلى بغداد، حيث أقام فيها حضرة بهاء الله عشر سنوات، قضى سنتين منها يجول وحيدًا في جبال كردستان. قبل الامتثال لفرمان من سلطان تركيا باستدعائه إلى إسطنبول، أعلن حضرة بهاء الله دعوته الإلهيّة لأتباع حضرة الباب، الّذين قبل معظمهم رسالته وأصبحوا بهائيّين.

بعد قضاء بضعة أشهر في إسطنبول، نفي حضرة بهاء الله إلى أدرنة الواقعة في الجزء الأوروبيّ من تركيا. وفي كلّ مراحل نفيه اكتسب حضرة بهاء الله محبّة وإخلاص النّاس من حوله، وأثار ذلك غيرة وحسد رجال الدّين والحكّام.

 وأخيرًا في عام 1868، قام السّلطان العثمانيّ بنفيه إلى عكّا، الّتي كانت نقطة نائية ضمن الإمبراطوريّة العثمانيّة وتستخدم كمستعمرة للسّجناء السّياسيّين وغيرهم من غير المرغوب فيهم. مع مرور الوقت تبدّل العداء الأوّلي لسلطات وأهالي عكّا إلى الاحترام والمودّة. وبعد تسع سنوات من السّجن، أوّلًا في القلعة، ثمّ داخل أسوار المدينة القديمة، سمح لحضرة بهاء الله بالتّنقّل بحرّيّة والعيش في الرّيف شماليّ المدينة.

 قضى السّنوات الإثنتي عشرة الأخيرة من حياته في راحة نسبيّة في القصر الّذي يقع في وسط الحدائق البهائيّة في عكّا. عندما توفّي في 29 أيّار / مايو 1892، عن عمر ناهز 75 عامًا، دفنت رفاته الطّاهرة في مبنًى صغير بجوار القصر، والمعروف باسم مرقد حضرة بهاء الله. هذه هي القبلة الّتي يولّي البهائيّون في جميع أنحاء العالم وجوههم وأفكارهم نحوها أثناء أداء صلواتهم اليوميّة.

طوال فترة حياته في السّجن والمنفى، انشغل حضرة بهاء الله بإنزال النّصوص المقدّسة الّتي كانت كالغيث الهاطل، وأحيانًا بسرعة بحيث يتعذّر لأيّ شخصٍ بتدوينها. وبينما كان لا يزال سجينًا داخل أسوار عكّا، أنزل الشرائع والمبادئ الأساسيّة لدينه في كتاب يسمّى الكتاب الأقدس. كما كتب إلى أصحاب السّلطة الدّينيّة والمدنيّة في عصره، مؤكّدًا سلطته كرسول الله لهذا العصر، وحثّهم على تحقيق السّلام فيما بينهم والحكم على رعاياهم بالعدل والرّحمة، محذّرًا إيّاهم من عواقب غفلتهم، وفي بعض الحالات تنبّأ بسقوطهم. بالإضافة إلى الأعمال الرّئيسيّة الّتي تتناول المواضيع الشّرعيّة والصّوفيّة، كتب آلاف الرّسائل إلى الأفراد شرح فيها تعاليمه، وقدّم النّصائح الشّخصّية. في وصيّته، عيّن حضرة بهاء الله ابنه البكر خلفًا له ولعهده وميثاقه، ومنحه السّلطة لتبيين وتفسير التّعاليم، والبتّ في الخلافات في الرّأي وذلك من أجل حماية مجتمع أتباعه من الخلافات والنّزاعات الّتي قد تؤدّي إلى الفرقة والانقسام.

Skip to content