يعدّ خليج حيفا الّذي يحدّه جبل الكرمل من الجنوب ومدينة عكّا القديمة من الشّمال، أحد أبرز المعالم الجغرافيّة لساحل شرق البحر الأبيض المتوسّط. على طول شواطئ هذا الخليج، تتجمّع مواقع الدّين البهائيّ الّتي تمّ ترشيحها للتّسجيل في قائمة التّراث العالميّ. ترتبط هذه المواقع بعضها ببعض بطريقة عمليّة وروحانيّة وجغرافيّة وتشكّل نسيجًا فريدًا يتمّ فيه حفظ الذّاكرة المادّيّة والتّاريخيّة للدّين البهائيّ.
فيما يلي وصف للسّمات الرّئيسيّة لـلحدائق والمباني ومناقشة للقيم الثّقافيّة المشتركة بينها جميعًا. وهذه تتضمّن لغة معماريّة أصليّة تحيك عدّة أساليب مختلفة في نسيجٍ متناغم، وهو مدهش من النّاحية الجماليّة وزاخر بالمعنى على حدٍّ سواء، وينقل الشّيء الكثير عن الجامعة البهائيّة ومعتقداتها وممارساتها وتطوّرها خلال معظم الحقبة التّكوينيّة. سيتمّ في الجزء الثّاني من الدّراسة التّركيز على بعض القيم والمعتقدات والتّقاليد البهائيّة المحدّدة، مثل الحج، والطّرق الّتي تتجلّى بها في التّصميم المعماريّ والخصائص الطّبيعيّة للأماكن الّتي تمّ وصفها في الجزء الأوّل.
على طول شواطئ خليج حيفا تتجمّع مواقع الدّين البهائيّ. ترتبط هذه المواقع بعضها ببعض بطريقة عمليّة وروحانيّة وجغرافيّة وتشكّل نسيجًا فريدًا يتمّ فيه حفظ الذّاكرة المادّيّة والتّاريخيّة للدّين البهائيّ. تتضمّن القيم الثّقافية المشتركة لجميع هذه المواقع لغة معماريّة أصليّة تحيك عدّة أساليب مختلفة في نسيجٍ متناغم، وهو مدهش من النّاحية الجماليّة وزاخر بالمعنى على حدٍّ سواء، وينقل الشّيء الكثير عن الجامعة البهائيّة ومعتقداتها وممارساتها وتطوّرها خلال معظم الحقبة التّكوينيّة.
في التّحليل المعماريّ لهذه المواقع، يتمّ إيلاء أهمّيّة بالغة للحدائق، الّتي لا تقل مساهمتها عن مساهمة الأبنية في إضفاء طابع فريد على المواقع. وفي الواقع فإنّ الحدائق في هذه المواقع لها العديد من الوظائف الضّروريّة:
تعمل الحدائق كوسيلة لعزل المباني وبعض المساحات الخارجيّة ذات الأهميّة الخاصّة عن الضّجيج والنّشاط المحموم في المناطق الحضريّة المحيطة. ويمكن أن يكون لها نفس تأثير العازل الذي يأتي عن طريق تشييد هيكلٍ مثل جدار مرتفع، لكن البستنة هي أكثر نعومة وأقلّ تقسيمًا. يخلق الجوّ الهادئ للمساحات الدّاخليّة المحميّة شعورًا بالهدوء والسّكينة يفضي إلى التّأمل والدّعاء والتّرقي الرّوحانيّ، دون أيّ شعور بالتّقييد أو الانعزال.
تشكّل الحدائق أيضًا الطّريق للاقتراب من الأماكن الّتي تعتبر مقدّسة. كما أنّها تساهم في التّجربة الرّوحيّة، وتحيل ممرًّا بسيطًا إلى عمليّة تمكّن الحاجّ من إعداد نفسه للدّخول إلى الأماكن المقدّسة. في معظم الحالات، تسمح الحدائق للزّائر اختيار طرق مختلفة، يقوم البعض باختيار الطّواف حول المكان المقدّس دون دخوله بالضّرورة، وهو فعل له أهمّيّته الرّوحيّة الخاصّة.
وأخيرًا فإنّ الحدائق هي النّسيج الّذي يربط بين المباني المختلفة فيها. في حين أنّ الهياكل مبنيّة بأساليب مختلفة حسب فترة البناء واستخدامها، فإنّ الحدائق تتّسم بلغة تخطيط فريدة واضحة بالنّسبة لكلّ حديقة وفيما بين الحدائق المختلفة.
تتميّز الحدائق الّتي صمّمها البهائيّون بخصائص مشتركة: تداخل الضّوء والظّل، واستخدام عناصر المياه، والأشكال الهندسيّة مثل الدّوائر والنّجوم المثمّنة المتكرّرة، وتصميمات متناظرة تسفر عن عناصر غير متناظرة حفاظًا على الطّبيعة أو القيمة التّاريخيّة. وتجاور مناطق كثيفة للغاية ومساحات شاسعة، وغالبًا ما تندمج تدريجيًّا وهذا من شأنه أن يخفّف الحدود داخل الحديقة وعلى محيط الموقع، ممّا يخلق منطقة انتقالية أو عازلة تعزّز الانسجام بين الموقع ومحيطه.
يمكن أن تعزى العديد من هذه العناصر المشتركة إلى التأثيرات الفارسيّة الّتي تتجلّى في جميع الحدائق.
قد يرجع أصل الحدائق الفارسيّة إلى 4000 سنة قبل الميلاد. إلّا أنّ وجود المياه أخذ يزداد أهمّيّة. يتجلّى هذا الاتّجاه في تصميم الحدائق مع التّركيز بشكلٍ كبير على النّوافير والبرك.
كان لضوء الشّمس وتأثيراته عاملًا هامًّا في التّصميم الإنشائيّ للحدائق الفارسيّة. حيث كان يتمّ اختيار الأبنية والأشكال على وجه التّحديد من قبل المهندسين المعماريّين للاستفادة من الضّوء.
الظّل مهمّ جدًّا أيضًا في الحديقة، وبدونه لا يمكن أن تكون المنطقة قابلة للاستخدام. يتمّ استخدام الأشجار والعرائش المتشابكة لإنشاء مناطق استراحة للتّجمع والخلوة الّتي تكون مطلوبة بشكل خاصّ في حرارة الصّيف الفارسيّة. (خنصاري وآخرون، 1998)
غالبًا ما يحاول النّمط الفارسيّ دمج ما هو “داخليّ” مع ما هو “خارجيّ”. وغالبًا ما يتمّ تحقيق ذلك من خلال ربط الحديقة المحيطة مع الفناء الدّاخليّ. (نيوتون، 1979)
من المهم التّمييز بين نوعين من المباني: (1) تلك الّتي تمّ شراؤها من قبل البهائيّين وتكييفها بدرجة أكبر أو أقل لاحتياجاتهم. (2) المباني الّتي تمّ تصميمها وبناؤها من قبل البهائيّين. إنّ معظم المباني الّتي اشتراها البهائيّون من العثمانيين والعرب تخدم في المقام الأوّل الحاجة إلى الحفاظ على الذّاكرة التّاريخيّة لتطوّر الدّين ومؤسّسيه، على الرّغم من أنّها لا تخلو من القيمة المعماريّة.
تمّ وصف العمارة العثمانيّة على أنّها مؤلّفة من التّقاليد المعماريّة لمنطقة البحر الأبيض المتوسّط والشّرق الأوسط.
تنقسم فترة تشييد المباني الّتي بناها البهائيّون أيضًا إلى فترتين رئيسيّتين. تلك الّتي شيّدت في بداية القرن العشرين، مباني الحيّ الفارسيّ في حيفا والمرحلة الأولى من مرقد حضرة الباب، على نمط العمارة الشّرقيّة المحلّيّة. وأمّا المباني الّتي شيّدت بعد العام 1950، بما في ذلك الهيكل العلويّ لمرقد حضرة الباب، فإنّ معظمها شيّد على الطّراز الكلاسيكيّ الجديد، على الرّغم من أنّها تحتوي على عناصر شرقيّة. تمّ اختيار هذا الطّراز بسبب الإجماع على أنّه يمثّل شكلاً من أشكال “الجمال المثاليّ” الّذي يحافظ على قيمته حتّى عندما تتغيّر الموضة المعماريّة.
تمّ اختيار هذا الطّراز بسبب الإجماع على أنّه يمثّل شكلاً من أشكال “الجمال المثاليّ” الّذي يحافظ على قيمته حتّى عندما تتغيّر الموضة المعماريّة. تتكرّر العديد من المبادئ المعماريّة نفسها في المباني العثمانيّة الّتي تمّ شراؤها على مرّ السّنين، في الهياكل المحلّيّة/الشّرقيّة الّتي شيّدها البهائيّون في بداية القرن العشرين وفي المباني الكلاسيكيّة الجديدة الّتي بناها البهائيّون منذ العام 1950 وحتّى اليوم. إنّ الرّوابط القائمة بين الخارج والدّاخل عبر السّاحات الدّاخليّة والشّرفات والنّوافذ العريضة، الّتي تجلب الخضرة وضوء الشّمس إلى داخل الأبنية، تؤدي إلى شعور بالانقطاع عن البيئة المباشرة من جهة، والاندماج مع المحيط العام من جهةٍ أخرى. إنّ التّطلّع نحو العالميّة يجد تعبيرًا له في المزج بين النّمط الكلاسيكيّ والشّرقيّ والجمع بين عناصر من ثقافات أخرى.
ينظر إلى التّنوع بين الثّقافات على أنّه مصدر الانسجام في العلاقات الإنسانيّة، كما هو موضّح هنا في تصريح حضرة عبد البهاء:
ولو كانت أوراد حديقة من الحدائق ورياحينها وأثمارها وأزهارها وأوراقها وأغصانها وأشجارها من نوع واحد ولون واحد وتركيب واحد وترتيب واحد فلا يكون لها لطافة ولا حلاوة بأيّ وجه ولكنها لمّا كانت من حيث الألوان والأوراق والأزهار والأثمار مختلفة الأشكال لذلك كان كلّ منها سببًا للزّينة والبهجة لسائر الألوان وأصبحت الحديقة أنيقة ظاهرة بنهاية اللّطافة والطّراوة والحلاوة كذلك التّفاوت والتّنوع في الأفكار والأشكال والآراء والطّبائع والأخلاق في العالم الإنسانيّ لو يكون في ظلّ قوّة واحدة ونفوذ كلمة الوحدانيّة فإنّه يظهر في نهاية العظمة والجمال والعلوّ والكمال
(‘Abdu’l-Bahá, Bahá’í World Faith, p. 295)
هذا التّقدير للتنوّع يتمّ التّعبير عنه عن طريق دمج عناصر العمارة والتّصميم من ثقافات مختلفة في المباني والحدائق.
يعتقد البهائيّون أنّ الجمال البيئيّ والتّهذيب في محيط الإنسان يعزّز من الصّفات الرّوحانيّة، كما هو موضّح في البيان التّالي:
المقصود هو أن التّنزيه والتّقديس والنّظافة واللّطافة هم سبب علو العالم الإنسانيّ وترقّي حقائق الإمكان حتّى أنّ اللّطافة في العالم الجسمانيّ أيضًا تسبّب حصول الرّوحانيّة كما صرّحت بذلك الكتب السّماويّة. ومع كون النّظافة الظّاهريّة أمر جسمانيّ غير أنّ لها تأثيرًا شديدًا في الرّوحانيات كالألحان البديعة والنّغمات الشّجيّة. ولو أنّ الأصوات هي عبارة عن تموّجات هوائيّة تؤثّر في عصب صماخ الآذان، وأنّ التّموجات الهوائيّة عرض من الأعراض القائمة بالهواء، مع ذلك تلاحظون كيف تؤثّر في الأرواح،
فالنّغمات البديعة تدفع بالرّوح إلى الطّيران وبالقلب إلى الاهتزاز. والمراد هو أنّ النّظافة والطّهارة الجسمانيّة تؤثّر في الأرواح الإنسانيّة أيضًا.
(عبد البهاء، منتخبات من مكاتيب عبد البهاء، معرّب)
Abdu’l-Bahá, p. 146)
يجد هذا الفهم تعبيرًا له في السّعيّ من أجل إيجاد النّظم والجمال الّذي يؤثّر على الصّيانة والتّصميم ويعطي انطباعًا متماثلًا لجميع الحدائق والمباني، بغضّ النّظر عن استخداماتها وعمّا إذا كان البهائيّون قد اشتروها أو شيّدوها.
بالإضافة إلى الخلفيّة الثّقافيّة الّتي نشأت منها العمارة البهائيّة من بلاد فارس وتركيّا، فإنّ إقامة حضرة الباب الطّويلة في السّجن دون حتّى شمعة للكتابة، وسجن حضرة بهاء الله داخل أسوار عكّا القديمة، كلّ هذا زاد من العلاقة القويّة بالطّبيعة والهواء الطّلق.
حضرة بهاء الله … انجذب لجمال الطّبيعة. وعلى الرّغم من مواردهم الضّئيلة، حاول المؤمنون الأوائل في أيّامه أن يخلقوا له محيطًا بسيطًا وجميلًا قدر الإمكان. حتى أنّهم أحضروا الأشجار المزهرة والشّجيرات من أراضٍ بعيدة مثل بلاد فارس وزرعوها في حديقة الرّضوان خارج مدينة عكّا، والّتي أحب حضرة بهاء الله زيارتها بعد قضائه سنواتٍ عديدة من السّجن داخل أسوار المدينة.
(Adib Taherzadeh, The Covenant of
Bahá’u’lláh, p. 328)
ليس هناك رجال دين في الجامعة البهائيّة، بل إنّها تدار بنظام المؤسّسات المؤلّفة من أفرادٍ عاديّين ينتخبهم المجتمع لفتراتٍ محدّدة. انّ المساواة بين الرّجال والنّساء هي أحد المبادئ الأساسيّة، ولا يوجد تمييز بين المؤمنين على أساس المعرفة أو الأقدميّة في الدّين. يتمّ التّعبير في الغالب عن مبادئ المساواة هذه حتّى في المقياس البشريّ للمباني، بما فيها أهمّ المقامات والمباني الإداريّة.
على الرّغم من أنّ الحدائق فريدة وبارزة فيما يتعلّق بمحيطها، فقد تمّ بذل جهد كبير لدمجها في البيئة الطّبيعيّة والأبنية الّتي كانت موجودة قبل تطوير المواقع. وهناك العديد من السّمات البارزة للتّصميم تقف شاهدًا على هذه الفلسفة. فقد تمّ ترك بستان الزّيتون وشجرة الجميز القديمة اللّذين كانا موجودين قبل تطوير الحديقة في البهجة في مكانهما على الرّغم من أنّهما لا يتطابقا مع الخطوط الّتي تمّ تصميم الحديقة بموجبها. وفي حدائق حيفا هناك مزج تدريجيّ يجمع بين المزروعات المشذّبة المتناظرة إلى غابة الكرمل الطّبيعية. يتمّ التّعبير عن هذه المبادئ أيضًا في إدارة المواقع والّتي شكّلت خصائصها الطّبيعيّة. كون معظم هذه المواقع الهامّة مصمّمة لاستقبال العموم دون أيّة رسوم، فإنّ هذا يؤثّر على تخطيط المداخل وممرّات المشي ومرافق الزّوّار. وبالمثل فإنّ التّفهم والصّبر والمرونة التي أبداها البهائيّون في مفاوضاتهم مع السّلطات المحلّيّة والجيران قد انعكس على التّخطيط وعلى التّدابير المتّخذة لحماية المواقع.
يرى البهائيّون حضرة الباب وحضرة بهاء الله على أنّهما “رسولان توأمان” لدينهم كما يرون حيفا وعكّا كمدينتين توأمين تضمّان المركزين الرّوحيّ والإداريّ لدينهم. وبالتّالي فإنّ المحور البصريّ القويّ الّذي يربط مرقد حضرة الباب وحدائقه المدرّجة مع عكّا ومرقد حضرة بهاء الله يحظى ببالغ الأهميّة.
إنّ مسألة الاقتراب من المرقدين والّتي تمّت مناقشتها بالتّفصيل في النّصّ الّذي يتناول حدائق حيفا والبهجة، لها أهميّة كبيرة بالنّسبة للحاجّ البهائيّ الذي سافر نصف الكرة الأرضيّة للوصول إلى هنا في فرصة لا تتكرّر إلا مرة واحدة في العمر للاقتراب من أقدس البقاع، المكان الذّي يتّجه إليه في صلاته ودعائه منذ الصّغر. بالنّسبة لهذا الشّخص، فإنّ عمليّة الاقتراب من المرقد تثير الأفكار والمشاعر الّتي قد لا تقل أهمّيّة عن تلك الّتي اختبرتها أنت أثناء زيارتك له.
وبالمثل فإنّ استخدام الأشكال الدّائريّة في الحدائق لها دلالة رمزيّة كبيرة، فهي تقدم للحجّاج وغيرهم من المؤمنين، إمكانيّة التّعبير العمليّ عن المفهوم الرّوحانيّ العميق الّذي يتجلّى في الفقرة التّالي:
إنّ الطّواف حول الأماكن المقدّسة دليل على العشق والتّفاني. وهو تعبيرٌ عن إحساس المرء بتواضعه وخضوعه وعشقه للنّفوس المقدّسة. والطّواف علامة لاعتماد الفرد التّام عليهم. تأثير الدوران هذا موجود أيضًا في الطبيعة. قمر صناعي يدور حول كوكب ويدور في مداره بقوة الجاذبية. او القمر الصناعي الذي يدور حول نجم يتم وضعه في مدار بواسطة جاذبية النجم. يعتمد أصله ووجوده كليًا على نفس الكوكب.
“(أديب طاهر زاده، ظهور حضرة بهاء الله، المجلد 4، ص 106) “
وبطبيعة الحال فإنّ عملية الطّواف حول المقامات سيرًا على الأقدام لمسافاتٍ مختلفةٍ لها مستويات أخرى من المعاني وتوفّر انطباعات خاصّة بالإضافة إلى فرصٍ للاسترخاء والتّأمّل.
تزداد قوّة العناصر الهندسيّة والتّصميم الرّسميّ للحديقة مع ارتفاع مستوى قدسيّة المكان، مما يوفّر دلالات هامّة للحاجّ والزّائر على حدٍّ سواء بخصوص هويّة الفضاء الّذي يدخل إليه.
في البدايات نشأ الدّين البهائيّ من الإسلام، ويتجلّى هذا بوضوح بانجذاب حضرة بهاء الله إلى الثّقافة الّتي نفي منها. مع انفصال الدّين البهائيّ عن الإسلام وتطوّره إلى دين عالميّ مستقل، انفتح على ثقافات أخرى وجمع ما بين العناصر المعماريّة من الشّرق والغرب. يمكن تتبّع هذا التّطوّر في كلّ من الحدائق والمباني، حيث تمّ دمج التّأثيرات الإسلاميّة والفارسيّة القويّة الموجودة في الممتلكات الأقدم مع عناصر من ثقافاتٍ أخرى في المباني والحدائق الأحدث عهدًا.
على سبيل المثال، العناصر الفارسيّة هي المهيمنة في حديقة الرّضوان، والّتي كانت أولى الحدائق الّتي أنشأها البهائيّون. حدائق البهجة هي حدائق مهجّنة فهي في الأساس فارسيّة ولكن تمّ إضافة عناصر كلاسيكيّة حديثة، مثل: أعمدة الرّخام وأحواض الزّينة والنّباتات المحلّيّة كأشجار الزّيتون والحمضيّات والرّمّان، وعناصر غريبة مثل: حدائق الصّبّار وأشجار البونساي. في الحدائق المدرّجة في حيفا، وهي الأحدث، فإنّ تنوّع العناصر الغربيّة وتأثيرها، أقوى ويمكن للمرء أن يرى تدرّجات كلاسيكيّة حديثة، وعناصر من الحدائق الإنجليزيّة والاستخدام واسع النّطاق للنّباتات المحلّيّة.
وبالمثل فإنّ المباني الأولى الّتي قام البهائيّون بشرائها في عكّا كانت مبانٍ عثمانيّة نموذجيّة ذات صلة قويّة مع فن العمارة الفارسيّ. اعتمدت المباني الأولى الّتي شيّدها البهائيّون في حيفا، مثل: مرقد حضرة الباب والمباني في الحيّ الفارسيّ هندسة العمارة الشّرقيّة المحلّيّة، وهو اختيار يعكس الاعتبارات العمليّة مع إظهار درجة من الانفصال عن المصادر الفارسيّة. ومؤخّرًا، فإنّ اختيار الأسلوب الكلاسيكيّ الحديث الّذي يدمج عناصر متنوّعة، تتضمّن بعض دلالات الولاء للجذور الشّرقيّة، يعكس استقلاليّة الدّين وانتشاره في جميع أنحاء العالم.
تمثّل المواقع البهائيّة في إسرائيل بمجملها قصّة كاملة عن تطوّر الدّين البهائيّ خلال معظم الحقبة التّكوينيّة. تأخذ المواقع الإحدى عشر الّتي تمّ تجميعها في سبع وحدات محميّة الزّائر في رحلة عبر الأحداث التّاريخيّة منذ نشأة الدّين البهائيّ كتيّار إسلاميّ، إلى انفصاله عن هذه الجذور ولغاية انفتاحه على العالم ليصبح دينًا مستقلًّا.
إنّ السّمات المادّيّة لهذه المباني هي شهادة حيّة على القيم والتّقاليد والعادات الّتي تشكّل أساس الدّين، وتحمل في طيّاتها أفكارًا ومعتقدات ذات شأن وهامّة على الصّعيد الدّوليّ. على الرّغم من الاختلافات في عمر البناء وطرازه، فإنّ هذه المباني تعطي تعبيرًا بصريًّا عن المفاهيم الأساسيّة للفلسفة البهائيّة، ومن خلال أسلوب البناء، ووضع المواقع في محيطها وسياق خلفيتها التّاريخيّة، يمكن للمرء اسكتشاف القيم الرّئيسيّة للدّين البهائيّ ومبادئه وجذوره الثّقافيّة والتّاريخيّة. علاوة على ذلك، فإنّ هذه المواقع تشكّل المحيط الماديّ وإطار مناسك الحجّ التّقليديّة الّتي كانت موجودة منذ الأيّام الأولى للدّين.
قائمة المراجع
خنساري، مهدي؛ مقتدر، م. رضا ياوري، مينوش (1998)، الحديقة الفارسيّة: أصداء الجّنة، ماج للنّشر.
ويلبر، د. نيوتن (1979)، الحدائق الفارسية وفسطاط الحدائق، واشنطن.
جودوين، جودفري (مايو 2003)، تاريخ العمارة العثمانيّة، تيمز وهدسون.